لانا
كانت تنادي أمها: ماما.. ماما.. أتت الأم مسرعة متلهفة على رؤيتها، لكنها لم تكن هنا.. أين هي؟ هذا ما سنعرفه من هذه القصة…
في صباح ربيعي مشرق, أيقظت سمر ابنتها المدللة لتذهب إلى المدرسة, إنها لانا التي بلغت السادسة وأصبحت كبيرة تتحمل مسؤولية الدراسة والوقت.
أيقظتها سمر, لكنها ومن النداء الثاني استيقظت.. استيقظت نشطة على غير عادتها, قالت لأمها: ماما.. رأيت نفسي أرتدي ثيابًا بيضاء وأطير محلقة فوق سهل واسع من الخضار. قالت الأم: هذا حلم.. لقد رأيت نفسك ترتدين فستان العرس الذي اشتريته لزفاف خالك وأنت تطيرين من الفرحة. ضحكت الصغيرة.. ثم دقت الساعة السابعة, فسارعت الأم وحضرت الشطيرة للانا, وفي أثناء ذلك كانت لانا قد ارتدت زيها المدرسي, وحملت حقيبتها, وإذ بالحافلة تطلق زامورها, وضعت الأم شطيرة ابنتها في الحقيبة مع تفاحة وودعتها, لكن الأم ركضت مسرعةً إلى الشرفة, لا تفعل هذا دائمًا, لا تدري لماذا ركضت؛ أحست باشتياق للانا؟ هل هذا معقول؟ لانا لم تركب الحافلة بعد, هل اشتاقت لها بهذه السرعة؟ لكن سمر قالت: إنها حبيبتي المدللة لهذا ركضت. وذهبت لتوقظ زوجها ليهب إلى عمله.
وصلت لانا المدرسة, شاهدت معلمتها ليلى, وهي التي تعتبرها أمها الثانية, فركضت لانا للطابور لكن ماما ليلى –كما كان ينعتها الطلاب- أتت وقبلتها.. ضحكت لانا ضحكتها البريئة, ثم أنشدت نشيد الصباح.
وفي نهاية الدوام تأخرت الحافلة التي كانت تقل لانا ومن معها, لهذا قاموا بتوزيعهم على جميع الحافلات؛ على كل حافلة طالبان, ذهب الجميع لم يبقَ سوى لانا, فقالت لها المديرة: اركضي نحو الحافلة رقم (2), بسرعة قبل أن تذهب.. نعم؛ لأن الحافلة لم تشغل بعد, فلم تخف المديرة, لكن عندما صارت لانا أمام مقدمة الحافلة, شغل السائق الحافلة وتحرك, لم يكن يعلم بوجودها..
دقت الساعة الثانية ثم الثالثة, وإذ بهاتف أحمد يرن, إنه رقم غريب, ردّ قائلاً: ألو.. رُد عليه: أنت أبو لانا؟ قال: نعم أنا.. قيل: نحن من مشفى السعادة, ابنتك لدينا وحالتها خطرة.. أسرع! وبعد إغلاق الهاتف لم يعرف أحمد ماذا يفعل, هل يخبر سمر؟ لكنه لم يخبرها حتى يتأكد.. ذهب لمشفى السعادة, سأل عنها وإذ بها في العناية المركزة؛ حالتها خطرة جدًا.. الطبيب يركض نحو الممرض قائلاً: أخرجوا لانا لغرفة العمليات حالاً..
كانت لانا وقت الحادثة قد وصلت عند دولاب الحافلة, وعندما تحرك كان قد دهسها من جهتها اليمنى دهسة مريعة.
ركض أحمد، وسأل الطبيب: ماذا حصل؟ ما بها؟ قال الطبيب: لا وقت الآن، لا وقت.. ودخل غرفة العمليات متلهفًا؛ فقد كانت لانا في حالة يرثى لها. وبعد ساعة خرج الطبيب، ولكنه لم يخرج كما دخل؛ خرج شاحبًا، صرخ أحمد: لا تقلها! لانــــا!! أين ابنتي؟؟ وبكى الأب للمرة الأولى في حياته، أمسك الأب هاتفه واتصل بوجته سمر، قال: سمر.. لانا ذهبت.. ذهبت إلى الجنة إن شاء الله. قالت سمر: احمدد، ماذا؟؟لا…أحمد أجب هيـــا!! قال أحمد: تعالي إلى مشفى السعادة أنتِ وأخوكِ سعيد.
حضرت سمر مع سعيد، كانوا قد حضروا لانا إلى موقعها الجديد، لقد منعوا أي أحدًا أن يراها، لكن سمر أبت إلا أن تراها؛ إنها ابنتها المدللة الحبيبة لانا الصغيرة، اليوم قبلتها.. اليوم وضعت لها الشطيرة.. قبل قليل قبّلتها ماما ليلى معلمتها الحنون!! نعم لانا ذهبت، ذهبت ولن تعود.
كل يوم ترتب سمر غرفة لانا، وتغسل ملابسها، كلما شمّتهم شمّت رائحة ابنتها، كلما ذهبت إلى مكان تذكرت لانا وتحركاتها في الشارع، كانت دومًا تقول لها: انتبهي السيارة! لانا أمسكي يدي! لانا هاتِ يدك أمسكها!! لكن مع هذا كانت لانا تساعد أمها في المطبخ؛ عندما كانت تطلب منها شيئًا تحضره لها، قائلة: لانا (الله يرضى عليكِ) أحضري البندورة.. أحضري كيس الخبز من الثلاجة.. لانا امسحي الماء المسكوب على الطاولة.
وفي آخر شهر من حياة لانا كانت أمها ستحضر لها أخًا جديدًا، كانت لانا تقول: ماما.. سأحمله لأني أخته الكبيرة.. ماما سأحمله عندما توكنين مشغولة.. ماما سأضع له الحفاض أنا!! كانت سمر تقول: ماذا تعتقدين نفسك؟! لم يتجاوز عمرك السادسة بعد!! فتضحك لانا من كلام أمها وتضحك الأم لصوت لانا الرنان في الضحك.
كانت تنادي أمها: ماما.. ماما.. أتت الأم مسرعة متلهفة على رؤيتها، لكنها لم تكن هنا.. أين هي؟ الآن عرفنا أين هي لانــــــا….