الشباب هم الأمل في غدٍ مشرق.. غدٍ قد يكون بهم أفضل من واقع أليم نعيشه سواء كان علمياً أو سياسياً، فالشباب بمثابة القلب للأمة إن صلح صلحت الأمة كلها وإن فسد فسدت.. فهم عماد الشعوب وثروتها الحقيقية.
تسعى كل الشعوب لتطوير وتنمية مهارات الشباب ليصبحوا درعها الواقي من الجهل والتخلف، لقد ألقيت مسؤولية مستقبل الشعوب على عاتق الشباب.
لكن هناك معوقات تقف في مسيرة الشباب وتحول بينهم وبين مستقبل سويٍّ أكثر إشراقاً، وقد جمعت بعد المعوقات على سبيل المثال لا الحصر:
(1) التفكك الأسري:
نجد أن التفكك الأسري جاء ليحتل الصدارة في هذه المعوقات. وهنا التفكك الأسري لا يعني فقط الانفصال بين الوالدين فحسب ولكن قد يكون هناك تفكك آخر لا يقل خطورة عن الانفصال وهو سفر الوالدين للعمل بالخارج وترك المراهق للدراسة في بلده دون رقيب أو حسيب.. مما له عواقب وخيمة. وطبعاً خطر الانفصال والطلاق له نصيب الأسد في فساد الأطفال وتدمير مستقبلهم سواء دراسياً أو نفسياً على حد السواء.
إنّ الأسرة هي الأرض التي ينبت بها الشباب ويترعرع، ولها تأثير عميق جداً في صقل شخصية الشباب واكتمال معالم شخصيته، فالقدوة هي أهم ما يحتاج له المراهق كي يجد طريقاً قويماً يسلكه، والوالدان هما القدوة المؤثرة جداً في حياة الإنسان؛ فهما من يزرعا فيه القيم والمُثل العُليا كما قد يزرعا بداخله الفساد والانحراف لأن الطفل يتعلم من والديه كل شيء ويقوم بتقليد أفعالهما حتى تصبح عادة له وسلوك يسلكه دائماً وأسلوب حياة كاملة. لكن عندما يحدث تفكك سواء بالانفصال أو تشتت أفراد الأسرة ينشأ الطفل وقد أصابه القلق من وضعه ووضع أسرته فلا قدوة أمامه ولا رقيب على أفعاله، ويتطور هذا القلق ليصبح انحرافاً سلوكياً في المستقبل ويُترجم كفشل دراسياً أو إدمان للخمور أو المخدرات.. وهكذا يكون قلب الأمة قد أصابه عطب عظيم يؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً في مستقبلها.
(2) وقت الفراغ:
وننتقل إلى نقطة أخرى تُمثل معوقاً جديد للشباب وهو وقت الفراغ الذي لا يُستغل في عمل مفيد ويُهدر دون أدنى جدوى منه. روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ"، فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وقتَ الفراغ نعمةٌ لا يقّدر قيمتها العبد، فهي نعمة عظيمة إن استغلت فيما يرضي الله ويعود بالنفع على الفرد أو المجتمع، وإلا فإنها نقمة عليه.
ولو نظرنا للجرائم عند المراهقين نجد أن أحد أسبابها الرئيسية فراغ المراهق، وقد قرأت تقريراً في إحدى المقالات على الإنترنت يقول أن "علماء النفس والتربية في الغرب قرروا أن فراغ الشباب في تلك البلاد يُعد أكبر دافعٍ للجرائم هناك وأكثرها خطورة".
وأجمعوا على أن المراهق إذا ما اختلى بنفسه في أوقات فراغه ومع كثرتها ترد عليه الأفكار والهواجس المخربة والأهواء الآثمة بالإضافة إلى الخيالات الجنسية، فلا تجد نفسه الأمارة بالسوء مفراً من هذه الأفكار ومع تكررها يجد نفسه وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة العاصفة من الهواجس والأهواء والخيالات، تحركه لتحقيق خيالاته مما يحمله على الوقوع في الكثير مما هو محظور، ولا يختلف حال الغرب عن العرب في هذه النقطة فهنا مراهق وهناك مراهق.
ويحضرني الآن حديث قدسي يوضح مدى حب الله للشباب الصالح الطائع لربه القادر على أهوائه: "أحب ثلاث وحبي لثلاث أشد: أحب الطائعين وحبي للشباب الطائع أشد، أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد. وأبغض ثلاث وبغضي لثلاث أشد: أبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض العُصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد".
وهذا ما يوضح أن مرحلة الشباب والمراهقة من أصعب الفترات التي يستطيع الإنسان بها التحكم في شهواته وميوله، ويكون الشاب ضعيف الإيمان فيها لعبة في يد الشيطان يلعب بها هنا وهناك ويركله كيفما شاء، ويزيد هذا في وقت الفراغ غير المستغل فيما يفيد الإنسان سواء في دنياه أو آخرته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغاً.. ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
(3) تشتت الأفكار وتغييب الأصالة:
في ظل العولمة نجد العالم وقد أصبح قرية صغيرة يستطيع الشباب التسكع في ارجائها بسهولة والتعرف على كل شيء بسهولة مهما كان صعب المنال وبأي زمان أو مكان بسهولة ويُسر سواء بالضغط على زر التشغيل في "ريموت الستالايت" أو الدخول على عالم بلا حدود عن طريق "الإنترنت"، وهذا ما يفرض واقعاً جديداً على شباب الأمة العربية، واقع مليء بالإغراءات الكثيرة للشباب التي تُشتت فكره وتغيب أصالته وعروبته وشرقيته مما جعل ما يسمى بأمركة المجتمع العربي عند الشباب. لقد أصبح المجتمع وشبابه مسخاً لا ملامح له، فلم يستطع الاحتفاظ بعروبته وأصالة شرقيته، ولا استطاع التحول ليكون مثل المجتمع الغربي فبات لا معالم له ولا طعم، لذا يجب أن تلعب المؤسسات التعليمية والاجتماعية دور الإرشاد والتوعية للشباب من هذا الخطر وتوعيته كي لا يقع فريسة للأفكار المستوردة التي لا تليق بمجتمعنا العربي الشرقي ولا تمُتُّ بصلة لتعاليم ديننا الحنيف، وأنا لا أقول أن نقاطع كل ما هو جديد ومتطور ولكن لنعلم أن لكل شيء وجهان وجه حسن نرغبه ونستفيد منه ووجه دميم نبعد عنه ولا نقربه.. فالحلال بيّن والحرام بيّن.
(4) الرفقة السيئة:
وأود أن أبدأ هذه النقطة بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد عنده ريحاً خبيثة".
وهنا إشارة نبوية شريفة توضح مدى تأثير الصحبة على الإنسان، ومن المعروف أن الرفقة احتياج اجتماعي لا مفر منه -فلا يستطيع أحد الحياة دون أصدقاء- ولكن فليتخير كل شاب من يصاحب لأن المتفق عليه أن الصاحب ساحب.
فإذا صاحب الشاب خيراً أحيا قلبه، وانشرح صدره، واستنار فكره، وبصره بعيوبه، وأعانه على الطاعة، ودلّه على أهل الخير، وجليس الخير يذكره بالله، ويحفظه في حضرته ومغيبه، ويحافظ على سمعته، ومجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفها الملائكة وتتنزل عليها السكينة، فليحرص الشباب على الرفقة الطيبة المستقيمة.
وتجد العكس صحيحاً في الرفقة السيئة؛ فكثيراً ما يتردد على مسامعنا أن هناك من كان مثال للأخلاق والتفوق وعندما رافق رفقة السوء تدنى مستواه الدراسي ودنست أخلاقه التي كانت مثال يُحتذي به وشحب وجهه الذي كان يضاء بنور الطاعة، وكل هذا من الرفقة السيئة.
لقد قرأت مقالاً موجهاً لشباب الأمة وأعجبت جداً بتلك السطور التي وصفت صديق السوء والرفقة السيئة: "والحذر كل الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر".
فلنختار من نخطو معه للأمام؛ ندرس سوياً ونتعبد سوياً، ولنتخير من يكون لنا مرشداً للخير، من يصارحنا بعيوبنا كي نصلحها لا من يُخفي علينا عيوبنا فنغرق في غفلتنا.
هدى الله شباب الأمة أجمع وحفظهم.. آمين.
وفي نهاية حديثي أود أن أختم بقول الله عز وجل "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" (الروم:54).
وفيه إشارة إلهية واضحة بأن الشباب هو فترة القوة الوحيدة التي يمر بها الإنسان طيلة عمره فمن قبلها ضعف الصغر والطفولة ومن بعدها ضعف الشيبة والشيخوخة، فلا تدع قوة تهدر بلا جدوى ولا تُضيع أقوى فترات حياتك بلا هدف مشتت الذهن بلا هوية بنفس قد وقعت تحت براثن معوقات واهية، فإذا أردت وحدك ستكون أقوى من هذه المعوقات.